فصل: فوائد لغوية وإعرابية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى الأبصار ولَكِن تعمى القلوب التي فِي الصدور} [الحج: 46] فعمي الأبصار شيء هيِّن، إذا ما قِيسَ بعمى القلوب؛ لأن الإنسان إذا فقد رؤية البصر يمكنه أنْ يسمع، وأنْ يُعمل عقله، وأنْ يهتدي، وما لا يراه يمكن أنْ يخبره به غيره، ويَصِفه له وَصْفا دقيقًا وكأنه يراه، لَكِن ما العمل إذا عَميَتْ القلوب، والأنظار مبصرة؟
وإذا كان لعمى الأبصار بديل وعِوَض، فما البديل إذا عَمي القلب؟ الأعمى يحاول أنْ يتحسَّس طريقه، فإنْ عجز قال لك: خُذْ بيدي، أما أعمى القلب فماذا يفعل؟
لذلك، نقول لمن يغفل عن الشيء الواضح والمبدأ المستقر: أعمى قَلْب. يعني: طُمِس على قلبه فلا يعي شيئًا.
وقوله: {القلوب التي فِي الصدور} [الحج: 46] معلوم أن القلوب في الصدور، فلماذا جاء التعبيرهكذا؟ قالوا: ليؤكد لك على أن المراد القلب الحقيقي، حتى لا تظن أنه القلب التفكيريّ التعقليّ، كما جاء في قوله تعالى: {يقولونَ بِأَفْوَاهِهِم } [آل عمران: 167]
ومعلوم أن القَوْل من الأفواه، لَكِنه أراد أن يؤكد على القول والكلام؛ لأن القول قد يكون بالإشارة والدلالة، فالقول بالكلام هو أبلغ أنواع القول وآكده؛ لذلك قال الشاعر:
جِرَاحَاتُ السِّنَانِ لَهَا الْتِئَامٌ ** ولاَ يُلْتَامُ مَا جَرَح اللسَانُ

ويقولون: احفظ لسانك الذي بين فكَّيْك، وهل اللسان إلا بين الفكَّيْن؟ لَكِن أراد التوكيد على القول والكلام خاصة، لا على طرق التفاهم والتعبير الأخرى.
ثم يقول الحق سبحانه: {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بالعذاب وَلَن يُخْلِفَ الله وَعْدَهُ }.
ألم يقولوا في استعجال العذاب: {اللهم إِن كَانَ هذا هو الحق مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السماء أَوِ ائتنا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } [الأنفال: 32].
وقالوا: {فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ إِن كُنتَ مِنَ الصادقين} [الأعراف: 70].
ولا يستعجل الإنسان العذابَ إلا إذا كان غَيْرَ مؤمن به، المؤمن بالعذاب- حقيقةً- يخاف منه، ويريد أنْ يبطئ عنه أو أنْ ينجوَ منه. والمعنى: {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بالعذاب } [الحج: 47] أنهم يظنون أنَّه إنْ توعّدهم الله بالعذاب فإنه سيقع لِتَوِّه. لذلك، الحق سبحانه يصحح لهم هذا الفهم، فيقول: {وَلَن يُخْلِفَ الله وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوما عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَا تَعُدُّونَ } [الحج: 47] فلا تتعجلوا توعّدكم به، فهو واقع بكم لا محالة؛ لأنه وَعْد من الله، والله لا يُخلِف وعده، لَكِن اعلموا أن اليوم عند الله ليس كيومكم، اليوم عندكم أربع وعشرون ساعة، أما عند الله فهو كألف سنة من حسابكم أنتم للأيام.
واليوم زمن يتسع لبعض الأحداث، ولا يسع أكثر مما قدِّر أن يُفعل فيه من الأحداث، أما اليوم عند الله-عز وجل- فيسع أحداثًا كثيرة تملأ من الزمن ألف سنة من أيامكم؛ ذلك لأنكم تزاولون الأعمال وتعالجونها، أما الخالق سبحانه فإنه لا يزاول الأفعال بعلاج، وإنما أمره إذا أراد شيئًا أن يقول له: كُنْ فيكون، ففِعْلُك يحتاج إلى وقت، أما فِعْل ربك فبكلمة كُنْ. وقد شاء الحق سبحانه أنْ يعيشَ هؤلاء في عذاب التفكير في هذا الوعيد طول عمرهم، فيُعذّبون به قبل حدوثه.
إذن: لا تظن أن العذاب الذي توعّدكم به سيحدث اليوم أو غدًا، لا؛ لأن حساب الوقت مختلف.
ألم تقرأ قول الله تعالى لنبيه موسى- عليه السلام- لمَا دعا على قومه: {رَبَّنَا اطمس على أَمْوَالِهِمْ واشدد على قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حتى يَرَوُاْ العذاب الأليم } [يونس: 88] قال له ربه: {قال قَدْ أُجِيبَتْ دَّعْوَتُكُمَا } [يونس: 89].
ويقول المفسرون: حدثتْ هذه الإجابة لموسى بعد أربعين سنة من دعوته عليهم.
وفي موضع آخر يقول تعالى: {يُدَبِّرُ الأمر مِنَ السماء إِلَى الأرض ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَا تَعُدُّونَ} [السجدة: 5].
وتزيد هذه المدة في قوله سبحانه: {تَعْرُجُ الملائكة والروح إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} [المعارج: 4] لماذا؟ لأن الزمن عندكم في هذه الحالة مُعطَّل، فأنتم من هَوْل ما تروْنَ تستطيلون القصير، ويمر عليكم الوقت ثقيلًا؛ لذلك تتمنون الانصراف ولو إلى النار.
كما أن صاحب النعيم يستقصر الطويل، ويمر عليه الوقت كأنه لمح البصر، ومن ذلك ما تلاحظه من قِصَر الوقت مع الأحبة وطوله مع الأعداء ومَنْ لا يهواه قلبك، ولهذه المسألة شواهد كثيرة في شعرنا العربي، منها قول أحدهم:
حَادِثَاتُ السُّرورِ تُوزَنُ وَزْنًا ** وَالبَلايَا تُكَال بالقُفْزَان

وقول الآخر:
لَمْ يَطُلْ لَيْلِي ولَكِن لَمْ أَنَمْ ** ونَفَى عَنِّي الكَرَى طَيْفٌ أَلَمّ

ويقول ابن زيدون:
إنْ يَطُلْ بعدَكَ لَيْلِي فَلَكَمْ ** بِتُّ أشكُو قِصَرَ الليْلِ مَعَك

ثم يقول سبحانه: {وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ }.
{وَكَأَيِّن } [الحج: 48] قلنا: تدل على الكثرة يعني: كثير من القرى، {أَمْلَيْتُ } [الحج: 48]: أمهلتُ، لَكِن طوال الإمهال لا يعني الإهمال؛ لأن الله تعالى يُملي للكافر ويُمهله لأجل، فإذا جاء الأجل والعقاب أخذه.
{ثُمَّ أَخَذْتُهَا} [الحج: 48] وأخْذُ الشيء يتناسب مع قوة الآخذ وقدرته وعنف الانتقام بحسب المنتقم، فإذا كان الآخذ هو الله عز وجل، فكيف سيكون أَخْذه؟
في آية أخرى يوضح ذلك فيقول: {أَخْذَ عِزِيزٍ مُّقْتَدِرٍ} [القمر: 42] لا يُغَالب، ولا يمتنع منه أحد، وكلمة الأَخْذ فيها معنى الشدة والعنف والقَهْر.
ثم يقول سبحانه: {وإلي المصير} [الحج: 48] يعني: المرجع والمآب، فلن يستطيعوا أنْ يُفلِتوا.
إذن: الإملاء: تأخير العذاب إلى أجل معين، كما قال سبحانه: {فَمَهِّلِ الكافرين أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا} [الطارق: 17].
هذا الأجل قد يكون لمدة، ثم يقع بهم العذاب، كما حدث في الأمم السابقة التي أهلكها الله بالخسْف أو بالغرق.. إلخ.، أما في أمة محمد صلى الله عليه وسلم، فيكون الإملاء بأحداث سطحية في الدنيا، كالذي حَلَّ بالكفار من الخِزْي والهوان والهزيمة وانكسار شوكتهم، أمّا العذاب الحقيقي فينتظرهم في الآخرة.
لذلك يقول الحق- تبارك وتعالى- لنبيه صلى الله عليه وسلم: لا تستبطئ عذابهم والانتقام منهم في الدنيا، فما لم تَرَهُ فيهم من العذاب في الدنيا ستراه في الآخرة: {فَإِمَا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الذي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ} [غافر: 77]. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أهلَكِناها وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ (45)}.
أخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر، عن قتادة {فهي خاوية على عروشها} قال: خربة ليس فها أحد {وبئر معطلة} قال: عطلها أهلها وتركوها {وقصر مشيد} قال شيدوه وحصنوه فهلكوا وتركوه.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر، عن ابن عباس رضي الله عنهما {وبئر معطلة} قال: التي تركت لا أهل لها.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن ابن عباس رضي الله عنهما {وقصر مشيد} قال هو المجصص.
وأخرج الطستي، عن ابن عباس: أن نافع بن الأزرق قال له: أخبرني عن قوله: {وقصر مشيد} قال: شيد بالجص والآجر. قال: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم. أما سمعت عدي بن زيد وهو يقول:
شاده مرمرا وجلله ** كلسا فللطير في ذراه وكور

وأخرج عبد بن حميد، عن مجاهد {وقصر مشيد} قال: بالقصة.
وأخرج عبد بن حميد وعبد الرزاق، عن عطاء {وقصر مشيد} قال: مجصص.
{أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأرض فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا}.
أخرج ابن أبي الدنيا في كتاب التفكر، عن ابن دينار قال: أوحى الله إلى موسى عليه السلام، أن اتخذ نعلين من حديد، وعصا ثم سح في الأرض، فاطلب الآثار والعبر، حتى تحفوا النعلان وتنكسر العصا.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن قتادة في قوله: {فإنها لا تعمى الأبصار} قال: ما هذه الأبصار التي في الرؤوس؟ فإنها جعلها الله منفعة وبلغة، وأما البصر النافع فهو في القلب. ذكر لنا أنها نزلت في عبد الله بن زائدة يعني ابن أم مكتوم.
وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول وأبو نصر السجزي في الإبانة في شعب الإيمان، والديلمي، في مسند الفردوس، عن عبد الله بن جراد قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «ليس الأعمى من يعمى بصره، ولَكِن الأعمى من تعمى بصيرته».
{وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوما عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَا تَعُدُّونَ (47)}.
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم، عن قتادة في قوله: {ويستعجلونك بالعذاب} قال: قال ناس من جهلة هذه الأمة {اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم}.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن ابن عباس في قوله: {وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون} قال: من الأيام الستة التي خلق الله فيها السماوات والأرض.
وأخرج ابن المنذر، عن عكرمة {وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون} قال: يوم القيامة.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن إبراهيم قال: ما طول ذلك اليوم على المؤمن، إلا كما بين الأولى والعصر.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن ابن عباس قال: الدنيا جمعة من جمع الآخرة سبعة آلاف سنة، فقد مضى منها ستة آلاف.
وأخرج ابن أبي الدنيا في الأمل، عن سعيد بن جبير قال: إنما الدنيا جمعة من جمع الآخرة.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن محمد بن سيرين عن رجل من أهل الكتاب أسلم قال: إن الله خلق السماوات والأرض في ستة أيام {وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون} وجعل أجل الدنيا ستة أيام، وجعل الساعة في اليوم السابع، فقد مضت الستة الأيام، وأنتم في اليوم السابع، فمثل ذلك مثل الحامل إذا دخلت في شهرها، ففي أية ساعة ولدت كان تمامًا.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن صفوان بن سلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «فقراء المسلمين يدخلون الجنة قبل الأغنياء من المسلمين بنصف يوم. قيل: وما نصف اليوم؟ قال خمسمائة عام» وتلا {وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون}.
وأخرج ابن جرير وابن مردويه من طريق ضمير بن نهار قال: قال أبو هريرة يدخل فقراء المسلمين الجنة قبل الأغنياء بنصف يوم. قلت: وما مقدار نصف يوم؟ قال: أو ما تقرأ القرآن {وإن يوما ربك كألف سنة مما تعدون}.
وأخرج أحمد في الزهد، عن ضمير بن نهار، عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يدخل فقراء أمتي الجنة قبل أغنيائهم بنصف يوم» وتلا {وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون}.
وأخرج البيهقي في الشعب، عن ابن عباس: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من صلى على جنازة فانصرف قبل أن يفرغ منها كان له قيراط، فإن انتظر حتى يفرغ منها كان له قيراطان؛ والقيراط مثل أحد في ميزانه يوم القيامة» ثم قال ابن عباس: حق لعظمة ربنا أن يكون قيراطه مثل أحد، ويومه كألف سنة.
وأخرج ابن عدي والديلمي، عن أنس قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «الدنيا كلها سبعة أيام من أيام الآخرة» وذلك قول الله {وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون}. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
قوله: {فَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أهلَكِناها}:
يجوز أن تكونَ {كأيِّنْ} منصوبةً المحل على الاشتغالِ بفعلٍ مقدرٍ يُفَسره {أهلَكِناها} وأَنْ يكونَ في محلِّ رفعٍ بالابتداء، والخبر {أهلَكِناها}. وقد تقدَّم تحقيقُ القولِ فيها.
قوله: {وَهِيَ ظَالِمَةٌ} جملةٌ حالية مِنْ هاء {أهلَكِناها}.
قوله: {فَهِيَ خَاوِيَةٌ} عطفٌ على {أهلَكِناها}، فيجوزُ أن تكونَ في محلِّ رفعٍ لعطفِها على الخبر على القول الثاني، وأنْ لا يكونَ لها محلٌّ لعطفِها على الجملةِ المفسِّرة على القول الأول. وهذا عنى الزمخشريُّ بقوله: والثانيةُ يعني قوله: {فَهِيَ خَاوِيَةٌ} لا محلَّ لها لأنها معطوفةٌ على {أهلَكِناها}، وهذا الفعلُ ليس له محلٌ تفريعًا على القولِ بالاشتغالِ. وإلاَّ فإذا قلنا: إنه خبرٌ لـ: {كأيِّن} كان له محلٌّ ضرورةً.
وقرأ أبو عمروٍ {أهلكتُها}. والباقون {أهلَكِناها} وهما واضحتان.
قوله: {وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ} عطفٌ على {قريةٍ}، وكذلك و{قَصْرٍ} أي: وكأيِّن من بئرٍ وقصرٍ أهلَكِناها أيضًا، هذا هو الوجهُ. وفيه وجهٌ ثانٍ: أَنْ تكونَ معطوفةً وما بعدها على {عروشِها} أي: خاوية على بئرٍ وقصرٍ أيضًا. وليس بشيءٍ.
والبِئْرُ: مِنْ بَأَرْتُ الأرض أي حفرتُها. ومنه التَّأْبِير وهو شَقُّ...... الطلع. والبِئْر فِعْل بمعنى مَفْعول كالذِّبْح بمعنى المَذْبوح وهي مؤنثةٌ، وقد تُذَكَّرُ على معنى القليب. وقوله:
.......................... ** وبِئْري ذو حَفَرْتُ وذو طَوَيْتُ

يَحتمل التذكيرَ والتأنيثَ. والمُعَطَّلَةُ: المُهْملة، والتعطيل: الإِهمال. وقرئ: {مُعْطَلَةٍ} بالتخفيف يقال: أَعْطَلْتُ البئر وعَطَّلْتُها فَعَطَلَت بفتح الطاء، وأما عَطِلَتْ المرأةُ من الحُلِيَّ فبكسرِ الطاءِ. والمَشِيْدُ: قد تَقدَّم أنه المرتفعُ أو المُجَصَّصُ. وإنما بني هنا مِنْ شادَه، وفي النساء مِنْ شَيَّده؛ لأنه هناك بعد جمعٍ فناسَبَ التكثيرَ، وهنا بعد مفردٍ فناسَب التخفيفَ، ولأنه رأسُ آيةٍ وفاصلةٍ.
{أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأرض فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا}.
قوله: {فَتَكُونَ}: هو منصوبٌ على جوابِ الاستفهامِ. وعبارةُ الحوفي على جوابِ التقريرِ. وقيل: على جوابِ النفيِِ، وقرأ مبشِّر بنُ عبيد {فيكونَ} بالياءِ من تحتُ؛ لأنَّ التأنيثَ مجازيٌّ. ومتعلَّقُ الفعلِ محذوفٌ أي: ما حَلَّ بالأممِ السالفةِ.
قوله: {فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى} الضميرُ للقصةِ. و{لاَ تَعْمَى الأبصار} مُفَسِّرَةٌ له. وحَسَّنَ التأنيثَ في الضمير كونُه وَليَه فِعْلٌ بعلامةِ تأنيثٍ، ولو ذُكِّر في الكلامِ فقيل: فإنه لجازَ، وهي قراءة مَرْوِيَّةٌ عن عبد الله، والتذكيرُ باعتبارِ الأمرِ والشأنِ. وقال الزمخشري: ويجوزُ أن يكون ضميرًا مُبْهمًا يُفَسِّره {الأبصارُ} وفي {تَعْمَى} راجعٌ إليه. قال الشيخ: وما ذكره لا يجوزُ لأن الذي يُفَسِّره ما بعدَه محصورٌ، وليس هذا واحدًا منه: وهو من باب رُبَّ، وفي باب نِعْم وبئس، وفي باب الإِعمال، وفي باب البدل، وفي باب المبتدأ والخبر، على خلافٍ في بعضها، وفي باب ضمير الشأن، والخمسةُ الأُوَلُ تُفَسَّر بمفرد إلاَّ ضميرَ الشأنِ، فإنه يُفَسَّر بجملةٍ، وهذا ليس واحدًا من الستة.